دولي

السودان: العميد شرطة (م) محمد أبو القاسم يكتب: الإنفلات الأمني وسلطات الشرطة

— إن مواجهة الأزمات والتصدي لها بقوة والعمل على محو أثارها يكمن في معرفة الأسباب الحقيقية لهذه الأزمات والعمل على معالجتها بكل حزم وحسم حتى تكتب النهاية للأزمة بضمان عدم تجددها وتكرارها لاحقا،أما سياسة دفن الرؤوس في الرمال والاهتمام بالتعامل مع الظواهر بالمسكنات وبدون النظر للأسباب الحقيقية ، فهذا بالتاكيد يؤدي لتفاقم الأزمات وتعاظمها مما يصعب من معالجتها لاحقا وبعد فوات الأوان.
— والظواهر الإجرامية التي أطلت برأسها في ولاية الخرطوم وفي عدد من مدن السودان، والتي رفعت من مؤشر الجرائم خاصة المرتكبة ضد النفس وضد المال بأنواعها المختلفة من قتل وتسبيب للأذى الجسيم ، وتسبيب للجراح والسرقات والنهب والخطف والإبتزاز ، إلى غير ذلك من الجرائم التي تروع المجتمع وتهدد أمنه وسلامته ، هي بلا شك تدفع الجهات المختصة إلى تقييم الموقف بأنه قد وصل إلى مرحلة الإنفلات الأمني وليس مجرد زيادة أو إرتفاع في معدلات الجريمة لأسباب معتادة لتتم مواجهته بالطرق التقليدية للشرطة وهي تقوم بدورها في منع الجريمة وخفض معدلات إرتكابها .
— ولعل من أخطر مظاهر الإنفلات الإمني هو ذلك الشعور العام لدى أفراد المجتمع بعدم الأمن و الطمأنينة ، ويمكن ملاحظة ذلك في ظاهرة ٱنتشار السلاح الأبيض عند الشباب الجالسون على الطرقات وفي الأسواق وسائقي مركبات المواصلات العامة بمختلف أنواعها الحافلات وعربات الأجرة الصغيرة والركشات، وأصحاب المواتر ،وما تحمله وسائط التواصل الإجتماعي من بيانات للجان مقاومة وبعض المواطنين الذين يفرضون حظر التجوال في مناطق محددة ويقومون بإغلاق الطرق ، وإجراءات التفتيش ، وكذلك الكتابات الصحفية لبعض الكتاب الذين يتحدثون عن تقاعس الشرطة بدلا عن دعمها معنويا ومساندتها فيى ظل ما يعانيه أفرادها من ضعف في الرواتب ، وشح في الإمكانات مقارنة بما يقومون به من واجبات في ظل قوانين لا تدعمهم في القيام بواجباتهم بالصورة المطلوبة، إلى غير ذلك من المظاهر التي تشيع الإحساس بعدم الطمأنينة والأمن.
— ومما لا شك فيه أن أي مجهودات تبذلها الحكومة في سبيل تحقيق الرفاهية والتقدم الٱقتصادي ستكون هباءا منثورا إذا لم يتوفر الأمن والإستقرار وتتحقق الطمأنينة لأفراد المجتمع ، ولذلك علينا النظر في مسببات هذا الٱنفلات الأمني ولايكون حديثنا عن ظواهر يمكن معالجتها وقتيا لكنها لا تلبث طويلا حتى تعود أقوى وأخطر ، وحسنا فعل السيد رئيس مجلس الوزراء عندما إجتمع بقيادات الشرطة والأجهزة الأمنية للنظر في كيفية منع إرتكاب هذه الجرائم والحد منها ، ولعل هذا الإجتماع في حد ذاته يعد مؤشرا على أن هنالك إنفلاتا أمنيا جعل الدولة تتدخل بأعلى مستوياتها للنظر في كيفية الخروج من هذه الأزمة، والعمل على إعادة الشعور بالأمن والطمأنينة للمواطن الذي أصبح يعاني في كل متطلباته وإحتياجاته ، وأنا لا أعلم مخرجات ذلك الإجتماع ، وماهي المبررات التي صاغها هؤلاء القادة لحدوث هذا الإنفلات ، ولكنهم بالتاكيد يكونوا قد تقدموا بجملة من المقترحات والتوصيات لإتخاذ قرارات من جانب الحكومة لتسهم مع الجهود الأمنية في وضع حد لهذا الٱنفلات .
— ومن الواضح بأن البطء في القيام بالترتيبات الأمنية في ظل هذا الوجود الكثيف للمسلحين المنتشرين في ولاية الخرطوم يعتبر من أهم أسباب هذا الإنفلات الأمني ، وقد شهدت مؤتمرا صحفيا لإحدى الحركات المسلحة التي كانت تستغل سكنا خاصا بالشرطة رفضت إخلاؤه ، فتم إخلاءهم بالقوة الجبرية ، وقامت هذه الحركة بعقد هذا المؤتمر الصحفي لتقول بإنها تعتبر الإجراءات التي تمت في مواجهتها عمل إرهابي!!!، وأنه إذا تكرر مثل هذا الأمر سيتم التعامل معه بإعتباره عمل إرهابي!! ، ولذلك أعتقد أنه من الضروري أن تقوم الحكومة عاجلا بمتابعة الترتيبات الأمنية للحركات الموقعة على السلام ، ومعالجة هذا الوضع الفوضوي لإنتشار هذه القوات المسلحة داخل الخرطوم والعمل فورا على إبعادها إلى معسكرات وثكنات عسكرية بعيدة عن مكان الأنشطة السكانية المدنية.
— إن التغييب المتعمد للسند الشعبي للشرطة بعد حل إدارة الشرطة الشعبية والمجتمعية بقرار غير موفق يهزم شعار (الأمن مسئولية الجميع)، ولم يستفد من هذا القرار سوى المجرمين المتربصين بأمن الشعب وسلامته ، والمتابع للأوضاع يلحظ بعض الأنشطة للجان المقاومة للحد من الجريمة أحيانا بالتعاون مع الشرطة وأحيانا بدون التنسيق معها ،وهذا يبين ضرورة التراجع عن قرار حل الشرطة الشعبية والمجتمعية، والعمل على تنسيق هذه الجهود المجتمعية وتوجيهها بالصورة السليمة لتصب في خانة دعم الٱستقرار الأمني والقضاء على التفلتات.
— إن النظر في صلاحيات الشرطة وسلطاتها بموجب القانون بعيدا عن النظرة الفلسفية التي تتحدث عن الحد من سلطات الشرطة بحجة إحترام حرية الفرد التي تتعارض أحيانا مع مسئولية الشرطة في حفظ الأمن والنظام والضبط الٱداري للمجتمع هو أمر ضروري ومهم ، وذلك بالعمل على زيادة سلطات وصلاحيات الشرطة في القبض والحجز والتفتيش والتكليف بالحضور والتعامل فيى حالات الإشتباه ،ودعم الشرطة بالإمكانات التي تتناسب مع مسئولياتها فيى تحقيق رسالتها التي تهدف إلى تحقيق أمن الوطن ومواطنيه وتأمين المجتمع وحمايته من كل أشكال الإستهداف، ولا يكون ذلك إلا بإصلاح القوانين وسن التشريعات التي تسهم في خلق واقع أمني مستقر ومجتمع مطمئن ومسالم … فهل نحن فاعلون؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى