مال

السودان وفرنسا .. ما وراء التقارب

تقرير: السودان الآن
كانت فرنسا من اوائل الدول التي هرولت نحو السودان فور نجاح ثورة ديسمبر وحجزت لنفسها موقعاً مرموقاً في الساحة السودانية بالسيطرة على الحكومة الانتقالية بدعوى مساعدتها في حل ازماتها الاقتصادية والتخلص من ديونها وفتح الباب أمامها نحو المجتمع الدولي فتبنت مؤتمر باريس وقدمت بعض المساعدات بيد أن فرنسا من الدول التي كانت لها مستعمرات بافريقيا حيث احتلت عدد من دول إفريقيا وقد تقلص الدور الفرنسي في القارة الأفريقية أواخر القرن العشرين بعد أن نالت الدول الأفريقية التي كانت تابعة للاستعمار الفرنسي استقلالها وبعد التغيرات التي لحقت بالنظام الدولي مع نهاية الحرب الباردة، والتي نتج عنها انفراد الولايات المتحدة بوضعية القوة العظمى والقطب الأوحد في ظل النظام العالمي الجديد. ولكن ذلك لايعني أن فرنسا تخلت عن أحلامها الاستعمارية في أفريقيا فقد استمرت فرنسا بعد مرور أربعين عاماً على استقلال مستعمراتها القديمة في إفريقيا بأشكال مختلفة، مباشرة أو عن طريق الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وباقي المنظمات الدولية تمنح لهذه البلدان أكثر من ثلثي مساعدتها المقدرة بأكثر من خمسة مليارات من الدولارات سنوياً وهناك 14 دولة أفريقية ملزمة من فرنسا، من خلال اتفاق، على وضع 85% من احتياطاتها الأجنبية في البنك المركزي الفرنسي تحت سيطرة الوزير الفرنسي للرقابة المالية.واستغلت حاجة بعض الأنظمة الأفريقية للمساعدات الغربية، إضافة إلى خشيتها من تنامي النزاعات الإسلامية المتطرفة بدعم هذا التوجه الجديد في محاربة الإرهاب على الساحة الإفريقية، إلا أن المساعي الفرنسية الظاهرية في حفظ الأمن الأفريقي تخفي نوايا جدية لعودة فرنسا إلى أفريقيا.
الحاضنة الفرنسية الجديدة
يقول د. محمد دياب لفرنسا خبرة طويلة في فنون الاستعمار القديم والحديث للشعوب وسلبها حريتها وثرواتها وطمس هويتها. رغم زعمهم بأنهم يتعاملون بناء على القيم الانسانية فيستميلون الآخر بوعود الدعم الاقتصادي والدعم الثقافي والدعم العسكري، فهذا ما جاء من وعود على لسان الرئيس ماكرون بالدعم الاقتصادي للسودان بتقديم منحه ماليه غير مشروطه والمساهمة في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ودعم عمليه السلام ووعد بالمساهمة باستقرار السودان. وإن صح ذلك فإن فرنسا في مقابل تلك الوعود بالدعم ستجني فرنسا مضخة جديدة لاعادة الحياة الى اقتصادها المأزوم، وستفتح المجال لكل الشركات الفرنسية وبالأخص التي تعمل في مجال التنقيب عن المعادن والمنتجات النفطية التي تشكل أهم وارداتهم، وستتمكن من الولوج إلى قارة عذراء في قلب القارة السمراء، قارة لا مثيل لها ولا حد لها من الموارد الطبيعية التي سوف تحصل عليها بأقل تكلفة ممكنه، وحينها يكون السودان مناطقة نفوذهم وسوقاً مفتوحاً لتصريف بعض الفائض من منتجاتهم وعندها يكون السودان هو الحاضنة الجديدة للفرنسين ويجب على فرنسا والحكومة الانتقالية في السودان الانتباه إلى قيم الشعب السوداني وحقوقه، كما يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار الهوية السودانية لا تقبل البتة بالتميز الأجنبي ورهن موارد البلاد ومصائر العباد لبلد لم تتعافي منه بلدان شقيقه رغم مرور السنوات.
السيطرة على مشروع الجزيرة
وقال الدكتور معتز محمد أحمد المتخصص في الزراعة أن الحكومة الانتقالية تدفع المزارعيين السودانيين الى أحضان اصدقائها من الدول الغربية من خلال شركات استثمارية فرنسية تعمل في مشروع الجزيرة وبالتالي سيكونوا عمالة فقط لتلك الشركات وأن معظم الانتاج سيكون لصالح تلك الشركات وضرب مثلاً بالصمغ العربي الذي وقع تحت سيطرة الاتحاد الاوربي بتمويل من وكالة التنمية الفرنسية موضحاً بان الغرب ينظر للسودان في مجال الزراعة على إنه مصدر للخام وبالتالي لاتستفيد الدولة من الارباح وقال التجربة الروسية كانت ناجحة لانها تقوم على اعمال تجارية ذات فائدة للطرفيين وتساعد باستيراد الالات الزراعية والتي هي اكثر جودة من النمازج المطروحة الان بالاسواق السودانية وينطبق الشئ نفسه على الاسمدة بجانب التجربة الروسية في مجال الزراعة ناجحة في الدول الاخرى وساهمت في تطوير الصناعات اللصيقة منها تربية وشراء المواشئ وصناعة الاعلاف المركبة وقال الخبير في مجال الزراعة أن تجاوز الوزارة لهذا التعاون واستبداله باخر لايعود بفائدة للسودان يعد لغزاً يستدعي محاولة كشفه منبهاً أن التعاون في المجالات الزراعية والصناعية تحسمه الفائدة للطرفيين وأن ذلك لايتوفر حالياً للحكومة الانتقالية التي تعقد اتفاقيات لاتستفيد منها كثيراً وتمضي لابعد من ذلك في التضييق على الاستثمار المحلي منبهاً لحديث رئيس أحوال ومطالب مزارعي الجزيرة والمناقل دفع الله الكاهلي، الذي حملَ وزارة المالية مسؤولية فشل الموسم الزراعي هذا العام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى